فصل: سنة سبع وخمسين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة ست وخمسين ومائة

فيها توفي شيخ البصرة وعالمها وأول من دون العلم بها الإمام أبو النضر سعيد ابن أبي عروبة العدوي وشيخ إفريقية وقاضيها الزاهد الواعظ عبد الرحمن بن زياد الشعباني الإفريقي‏.‏

وفيها وقيل في سنة ثمان توفي قارىء الكوفة أبو عمارة حمزة بن حبيب التيمي مولى تيم بن ربيعة الكوفي الزيات السيد الجليل احد القراء السبعة قرأ على التابعين وتصدر للإقراء فقرأ عليه جل أهل الكوفة وكان رأساً في القرآن والفرائض قدوة في الورع وقال القرآن ثلاث مائة ألف حرف وثلاثة وسبعون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفاً وقصته في رؤيته الحق سبحانه في المنام وتضميخه له بالغالية وما ذكر فيها من وعده تعالى بالكرامة لأهل القرآن مشهورة‏.‏

 سنة سبع وخمسين ومائة

فيها توفي الفقيه القدوة العلامة إمام الشاميين أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي روى عن الزهري وعطاء وخلق كثير من التابعين وروى عنه الثوري وأخذ عنه ابن المبارك وجماعة كثيرة وكان رأساً في العلم والعمل كثير المناقب بارعاً في الكتابة والترسل‏.‏

قال الفضل بن زياد‏:‏ اجاب الأوزاعي في سبعين ألف مسألة‏.‏وقال إسماعيل بن عياش سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون‏:‏ الأوزاعي اليوم عالم الأمة وقال الوليد بن مسلم‏:‏ ما رأيت أكثر اجتهاداً في العبادة من الأوزاعي‏.‏

وقال أبو مسهر‏:‏ كان يحيي الليل صلاة وقرآناً وبكاء ومات في الحمام أغلقت عليه امرأته باب الحمام ونسيته فمات رحمه الله يوم الأحد لليلتين بقيتا من صفر وقيل في شهر جاد الحيا بالشام كل عشية قبراً تضمن لحده الأوزاعي قبر تضمن فيه طود شريعة سقياً له من عالم نفاع عرضت له الدنيا فأعرض مقلعاً عنها بزهد أيما إقلاع قلت ولو كان في البيت الأول سقى عوض جاد كان صواباً لأنه حينئذ ينصب قبراً وتقديره أسقى الحبا قبراً وأما نصبه بجاد فلا يحسن بل لا يصح إلا بتعصب يعيد وإضمار محذوف يكون تقديره جاد فسقى قبراً وكذلك قوله في البيت الثاني تضمن فيه كان يعني قوله تضمن عن فيه فقوله فيه من التكرر المذموم العاري عن تضمن فائدة من تأكيد وغيره ورأى أن يكون بالمثناة من تحت أصح من المثناة من فوق وحينئذ يكون تضمن للحال ولا يكون لفظ فيه مذموماً على هذا بل يكون معناه يودع فيه بخلاف المثناة من فوق فإن معناه تضمن هو فلفظ في هذا بعد مستقبح والأوزاعي نسبة إلى الأوزاعي وهي بطن من ذي الكلاع من اليمن وقيل الأوزاع قرية بدمشق على طريق باب الفراديس ولم يكن منهم وإنما نزل فيه فنسب إليهم وقيل غير ذلك‏.‏

وقال بعض المعبرين‏:‏ قال يعلى بن عبيد‏:‏ كنت عند سفيان الثوري فقال له رجل‏:‏ رأيت البارحة كأن ريحانة رفعت إلى السماء من ناحية المغرب حتى توارت في السماء فقال سفيان‏:‏ ان صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي فوجده قد مات في تلك الليلة‏.‏

وروي أن الإمام سفيان الثوري المذكور والمشهور السيد المشكور لما حج الأوزاعي خرج حتى لقيه بذي طوى فحل سفيان الحبل المقود به رأس بعيره ووضعه على رقبته ومشى وهو يقول الطريق للشيخ‏.‏

وفيها توفي الحسن بن واقد المروزي قاضي مرو ومحمد بن عبدالله ابن أخي ا لزهري‏.‏

 سنة ثمان وخمسين ومائة

فيها صادر المنصور خالد بن برمك وأخذ منه ثلاثة آلاف درهم ثم رضي عنه وأمره على الموصل‏.‏

وفيها في ذي القعدة بمكة توفي المنصور أبو جعفر عبدالله بن محمد العباسي وله ثلاث وستون سنة وكانت خلافته اثتين وعشرين سنة وكان ذا حزم وعزم ودهاء ورأي وشجاعة وعقل وفيه جبروت وظلم ولي بعده ولده المهدي ولما عزم المنصور على قتل أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة لبني العباس كتب إليه ابن عمه عيسى بن موسى‏:‏ إذا كنت ذا رأي فكن ذا روية فإن فساد الرأي أن تتعجلا وكتب إليه المنصور‏.‏

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا ومن أخبار المنصور‏:‏ ما رووا عن أبي بكر الهذلي الشاعر المشهور قال‏:‏ قال لي المنصور‏:‏ قد بلغت أربعين سنة وأريد الحج وأنا داخل على أبي العباس أكلمه أن يعينني على سفري يعني أخاه السفاح فأعني بالقول قال‏:‏ قلت‏:‏ افعل فلما دخل عليه ودخلت كلمه واستغنى عن كلامي فحج فما كان ببعض الطريق أتاه نعي أبي العباس فأقبل على كل صعب وسهل حتى أتى دار الخلافة فظفر بالأموال‏.‏

قال الراوي فلما توفيت امرأة الهذلي المذكور وكانت أم ولده والقيمة في منزله وجد عليها فبلغ ذلك المنصور فأمر حاجبه الربيع أن يأتيه ويعزيه ويقول له‏:‏ ان أمير المؤمنين متوجه إليك الليلة بجارية نفيسة لها أدب وطرب وهيئة ومعرفة تسليك عن امرأتك وتسد موضعها وتقوم بأمر منزلك ويأمر لك مع ذلك بفرش وكسوة قال‏:‏ فلم يزل الهذلي يتوقع ذلك فلم يره ونسيه المنصور فلم يذكره ولم يذكره بذلك أحد ثم إن المنصور لما حج وكان الهذلي منه قال وهو بالمدينة الشريفة‏:‏ اني أحب أن أطوف الليلة في المدينة فأنظروا إلي رجلا يعرف منازل أهل المدينة ومساكنها ورباعها وطرقها وأخبارها يكون معي فيعرفني ذلك فقالوا له‏:‏ ما نعلم أحداً أعلم بذلك ولا أعرف به من أبي بكر الهذلي فأمره بالحضور فلما كان في الليل خرج المنصور على حمار يطوف في سكك المدينة وهو معه فجعل يسأله عن ربع ربع وسكة سكة وموضع وموضع فيخبره بمن هو ولمن كان يقص قصة الحال فيه حتى مر ببيت عاتكة فسأل عنه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة الذي قال فيه الأحوص بن محمد يا بيت عاتكة التي أتعزله حذر العدى وبه الفؤاد موكل وأنشد القصيدة حتى بلغ قوله‏:‏ وأراك تفعل ما تقول وبعضهم مذق الحديث يقول ما لا يفعل فقال المنصور له‏:‏ و يحك يا أبا بكر وفي الدنيا أحد يعد ولا ينجز ويقول ما لا يفعل فقال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين اذا نسي‏.‏

قال‏:‏ فضحك المنصور وقال‏:‏ صدقت أذكرتني ما كنت وعدتك لا جرم والله لا تصبح حتى يأتيك ذلك قال‏:‏ فلم يصبح حتى وجه إلي بجارية نفيسة بفرشها وأثاثها وآلاتها ووصلني بمال‏.‏

قلت ذكر بعضهم إن العاتكة المذكورة هي بنت عبدالله بن أبي سفيان الأموي وذكروا أيضاً في بني أمية عاتكة بنت يزيد بن معاوية زوجة عبد الملك بن مروان وروي عن الهذلي أيضاً أنه قال‏:‏ طلبت الإذن على المنصور فوعدت بيوم أدخل عليه فيه فوافيت ذلك اليوم فوجدت أبا حنيفة وعمرو بن عبيد قد سبقاني فقعدا قليلاً ثم خرج الأذن لنا فدخلنا وقد كنت هيأت كلاماً ألقى به المنصور وهيأ أبو حنيفة مثل ذلك فلما رأيناه ارتج علينا وكان جهدنا أن أقمنا التسليم فسلمنا فأومى برأسه وأقبلت ألاحظ أبا حنيفة أعجبه مما نالني وناله من الدهش فرفع عمرو رأسه فقال‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ والفجر وليال عشر ‏"‏ - الفجر‏:‏ 1 - إلى قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد ‏"‏ - الفجر‏:‏ 13 و 14 - يا أمير المؤمنين‏:‏ بالمرصاد لمن عمل مثل عملهم إن ينزل به مثل ما نزل بهم فاتق الله يا أمير المؤمنين فإن وراءك نيراناً تأجج من الجور ما يعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏قلت أرى في هذا الكلام شيئاً ساقطاً في موضعين‏.‏

أحدهما قوله‏:‏ ان ينزل به يحتمل أن يكون فليحذر أن ينزل به والثاني قوله تأجج من الجور ما يعمل يحتمل أن يكون من الجور لمن يعمل فقال‏:‏ يا أبا عثمان انا لنكتب إليهم في الطوامير نأمرهم بالعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فإن لم يفعلوا فما عسى أن نصنع فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين مثل أذن فأر يجزيك من الطوامير تكتب إليهم في حاجة نفسك فينفذونها وتكتب إليهم في حاجة الله فلا تنفذ انك والله لو لم ترض من عمالك إلا بالعدل اذن ليقرب إليك من لانية له فيه‏.‏

ثم ذكر سليمان بن مجالد ومعارضته لعمرو فقال له عمرو‏:‏ يا ابن مجالد خزنت نصيحتك عن أمير المؤمنين ثم أردت أن تحول بينه وبين من أراد أن ينصحه يا أمير المؤمنين ان هؤلاء اتخذوك سلماً لشهواتهم فأنت كالآخذ بالقرنين وغيرك يحلب فاتق الله يا أمير المؤمنين فإنك ميت وحدك ومبعوث وحدك ومحاسب وحدك لن يغني عنك هؤلاء من الله شيئاً قال‏:‏ فأطرق أبو جعفر يفكر في كلامه ثم دعا خادماً على رأسه فسار بشيء فأتاه الخادم بمنديل فيه دنانير فقال‏:‏ يا أبا عثمان بلغني ما الناس فيه من الشدة فاصرف هذه حيث شئت قال ما كنت لآخذها قال لتأخذها والله قال لا آخذها قال والله لتأخذنها قال والله لا آخذها فقال له المهدي وكان حاضراً يحلف أمير المؤمنين لتأخذه وتحلف أنت لا تأخذه‏!‏ قال عمرو‏:‏ يا ابن أخي إن أمير المؤمنين أقدر على الكفارة مني فقال أبو جعفر للمهدي اسكت فإن عمك بناء واثق قال‏:‏ فسكت وقعد قليلاً ثم قمنا فقلت لأبي حنيفة عند خروجنا‏:‏ انا نسينا ما أردنا من الكلام فكيف ذهب عنا أن نجيء بما جاء به عمرو ومن كتاب الله‏!‏‏.‏

قلت عمرو بن عبيد المشهور بالزهادة والعبادة من المعتزلة وله في الاعتقاد أقوال شنيعة في الابتداع مضيعة في الأسماع ذكرت بعضها في الكتاب الموسوم بالمرهم ولما اعتزل هو وأصحابه حلقة الحسن البصري وباينوا أهل السنة سموا معتزلة من يومئذ‏.‏

وقال الهذلي المذكور‏:‏ قال السفاح‏:‏ بأي شيء بلغ حسنكم ما بلغ يعني الحسن البصري‏.‏قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين جمع كتاب الله وهو ابن اثنتي عشرة سنة فلم يجارز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها وفيما أنزلت ولم يقلب درهماً في تجارة ولم يل للسلطان امارة ولم يأمر بشيء فيهم حتى يفعله ولا يترك شيئاً حتى بدعه او كما قال فقال‏:‏ بهذ بلغ الشيخ ما بلغ‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ قال لي الرشيد‏:‏ قال المنصور للمهدي‏:‏ يا عبدالله إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة والرعية لا يصلحها إلا العدل وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه‏.‏

وذكر في المقتبس أيضاً‏:‏ انه لما أتم المنصور بناء مدينة السلام بغداد وأراد النقلة إلى قصره بباب الذهب وقف على باب القصر يتأمله فإذا على الحائط مكتوب‏.‏

ادخل القصر لا تخاف زوالا بعد ستين من سنيك رحيل فوقف ملياً وتغرغرت عينه ثم قال‏:‏ بقية لعاقل وفسحة لجاهل كأنه حسب ما بقي من عمره من السنين وكان قد مكث قبل بنائها سنة يتردد ليرتاد موضعاً يبنيه فبينا هو كذلك إذا براهب قد أشرف عليه من بنيان مقيم فيه فقال‏:‏ اراك منذ شهور تدور وتكثر الترداد في هذا الموضع فقال‏:‏ اريد أن أبني فيه مدينة فقال له الراهب‏:‏ لست صاحبها انا نجد أن صاحبها يقال له مقلاص‏.‏

فقال أبو جعفر‏:‏ انا والله صاحبها كنت أدعى وأنا صبي في الكتاب بمقلاص فأمر حينئذ ببنائها وكتب إلى البلدان أن يوجه إليه ما يحتاجه ويتوقف عمارتها عليه ثم قال لنوبخت بالنون ثم بالموحدة بعد الواو ثم الخاء المعجمة والمثناة من فوق في آخره المنجم‏:‏ اختر لي موضعاً أضع له فيه الأساس والبناء فاختار له فوضع الأساس ثم قال له‏:‏ احكم الآن فقال‏:‏ يتم بناؤها وتكون مدينة ليس في شرق ولا غرب لها نظير ويعمرعمراناً لم ير مثله قال أبو جعفر‏:‏ ثم ماذا قال‏:‏ ثم تخرب بعد موتك خراباً ليس بصحراء ولكن دون العمران ووزنت لبنة سقطت من السور فكان وزنها اثنتين وثمانين رطلاً وكان قد وضع المنصور أول لبنة بيده وقال‏:‏ بسم الله والحمد لله إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏.‏

وفي السنة المذكورة على الصحيح توفي حيوة بن شريح التجيبي المصري أحد العلماء السادة الزهاد أولى التوفيق والسعادة وكان مجاب الدعوة‏.‏

وفيها توفي الإمام زفر بن الهذيل صاحب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم‏.‏

 سنة تسع وخمسين ومائة

فيها ألح المهدي على ولي العهد عيسى بن موسى بكل ممكن وبالترغيب والترهيب في خلع نفسه ليولي العهد ولده موسى الهادي فأجاب خوفاً على نفسه فأعطاه المهدي عشرة آلاف ألف درهم وإقطاعات وفيها توفي السيد الجليل عبد العزيز بن أبي رواد‏.‏

ومما يحكى من فضائله أن امرأة بمكة تقرأ القرآن رأت كأن حول الكعبة وصائف عليهن معصفرات وبأيديهن ريحان وكأنها قالت‏:‏ سبحان الله هذا حول الكعبة يعني هذا التزين المتخذ للهو فقيل لها‏:‏ اما علمت أن عبد العزيز بن أبي رواد زوج الليلة فانتبهت فإذا عبد العزيز بن أبي رواد قد مات رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي يزيد القرشي المدني روى عن عكرمة ونافع وخلق قال الإمام أحمد‏:‏ كان يشبه بسعيد بن المسيب وما خلف مثله قال‏:‏ و كان وقال الواقدي كان يصلي الليل أجمع ويجتهد في العبادة فلو قيل له أن القيامة تقوم غداً ما كان فيه مزيد من الاجتهاد وقال أخوه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ثم سرده وكان شديد الحال يتعشى بالخبز والزيت وكان من رجال العلم صواماً قوالاً بالحق وقال أحمد‏:‏ ادخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر يعني المنصور فلم يهله من الهول أن قال‏:‏ ان الظلم ببابك فاش وأبو جعفر قلت يعني في الهيبة والغلظة والانتقام ومعناه‏:‏ مدح ابن أبي ذئب بهذا الاقدام‏.‏

وفيها توفي مالك بن مغول البجلي الكوفي روى عن الشعبي وطبقته وكان كثير الحديث ثقة حجة قال ابن عيينة‏:‏ قال له رجل‏:‏ اتق الله فوضع خده بالأرض‏.‏

 سنة ستين ومائة

في أولها كان خلع عيسى بن موسى وفيها افتتح المسلمون مدينة كبيرة بالهند وفيها فرق المهدي في الحرمين أموالاً عظيمة فيل ثلاثين ألف ألف درهم وفرق من الثياب مائة ألف وخمسين ألف ثوب وحمل محمد بن سليمان الأمير الثلج للمهدي حتى وافاه به مكة قيل‏:‏ و هذا شيء لم يتهيأ لأحده‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو بسطام العتكي مولاهم الواسطي شعبة بن الحجاج بن الورد شيخ البصرة وأمير المؤمنين في الحديث روى عن معاوية بن قرة وعمرو بن مرة وخلق من التابعين قال الشافعي‏:‏ لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق‏.‏

وقال ابن المديني‏:‏ له نحو ألفي حديث وقال سفيان لما بلغه موت شعبة‏:‏ مات الحديث وقال أبو زيد الهروي‏:‏ رأيت شعبة يصلي حتى يدمي قدماه وأثنى جماعة من كبار الأئمة عليه ووصفوه بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير وكان رأساً في العربية والشعر سوى الحديث رحمة الله عليه‏.‏

وفيها توفي المسعودي عبد الرحمن بن عبدالله بن عتبة بن مسعود الكوفي روى عن الحكم بن عتيبة وعمرو بن مرة وخلق وقال ابو حاتم‏:‏ كان أعلم زمانه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه‏.‏

سنة إحدى وستين ومائة فيها ظهر عطاء الساحر الشيطان الذي ادعى الربوبية بناحية مرو واستغوى خلائق لا يحصون وأري الناس قمراً ثانياً فيئ السماء كان يرى ذلك إلى مسيرة شهرين‏.‏

وفيها توفي أبو دلامة بن زند بن الجون وكان صاحب نوادر وحكايات وأدب ونظم ذكر ابن الجوزي أنه توفيت لأبي جعفر المنصور ابنة عم فحضر جنازتها وحو متألم لفقدها كئيب فاقبل أبو دلامة وجلس قريباً فقال له المنصور‏:‏ و يحك ما أعددت لهذا المكان وأشار إلى القبر فقال‏:‏ ابنة عم أمير المؤمنين فضحك المنصور حتى استلقى ثم قال له‏:‏ و يحك فضحتنا بين الناس‏.‏

ولما قدم المهدي بن منصور من الري إلى بغداد خل عليه أبو دلامة للسلام والتهنية بقدومه فقال له المهدي‏:‏ كيف أنت يا أبا دلامة فأنشد‏:‏ إني حلفت لئن رأيتك سالماً بقرى العراق وأنت ذو وفر لتصلين على الرسول محمد ولتملأن دراهماً حجري فقال له المهدي‏:‏ اما الأولى فنعم وأما الثانية فلا فقال‏:‏ جعلني الله فداك انهما كلمتان لا تفرق بينهما فقال‏:‏ يملأ حجر أبي دلامة دراهم فقعد وبسط حجره فملأه دراهم وقال له‏:‏ قم الآن يا أبا دلامة فقال‏:‏ ينحرق قميصي يا أمير المؤمنين فردها إلى الاكياس ثم قام‏.‏

ومن أخباره‏:‏ انه مرض ولده فاستدعى طبيباً ليداويه وشرط له جعلا معلوماً فلما برأ قال له والله ما عندنا شيء نعطيك ولكن ادع على فلان اليهودي وكان ذا مال كثير بمقدار الجعل وأنا وولدي نشهد بذلك فمضى الطبيب إلى القاضي يومئذ وحمل اليهودي إليه وادعى عليه بذلك المبلغ فأنكر اليهودي فقال‏:‏ ان لي عليه بينة وخرج لاحضار البينة فأحضر أبا دلامة وولده فدخلا إلى المجلس وخاف أبو دلامة أن يطالبه القاضي بالتزكية فأنشد في الدهليز قبل دخوله إلى القاضي بحيث يسمع القاضي‏:‏ إن الناس غطوني تغطيت عنهم وإن بحثوا عني ففيهم مباحث ثم حضر بين يدي القاضي وأديا الشهادة فقال له القاضي‏:‏ كلامك مسموع وشهادتك مقبولة ثم غرم القاضي المبلغ من عنده واطلق اليهودي وما امكنه أن يرد شهادتهما خوفاً من لسانه فجمع بين المصلحتين بتحمل الغرم من ماله وكان القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقيل عبدالله بن شبرمة‏.‏

وفي كتاب أخبار البصرة أن أبا دلامة كتب إلى سعيد بن دعلج وكان يومئذ يتولى الأحداث بالبصرة وأرسل الكتاب من بغداد مع ابن عم له‏.‏

إذا جئت الأمير فقل سلام عليك ورحمة الله الرحيم وأما بعد ذاك فلي غريم من الأعراب قبح من غريم له ألف علي ونصف أخرى ونصف النصف في صك قديم دراهم ما انتفعت بها ولكن وصلت بها شيوخ بني تميم فسير له دعلج ما طلب‏:‏ و كان روح بن حاتم المهلبي والياً على البصرة فخرج إلى حرب الجيوش الخراسانية ومعه أبو دلامة فخرج من صف العدو مبارزاً فخرج إليه جماعة فقتلهم واحداً بعد واحد فتقدم روح إلى أبي دلامة لمبارزته فامتنع فألزمه ذلك فاستعفاه فلم يعفه فأنشد‏:‏ إني أعوذ بروح أن يقدمني إلى القتال فيخزي بي بنو أسد إن المهاب حب الموت أورثكم ولم أورث قط حب الموت من أحد فاقسم عليه ليخرجن وقال‏:‏ لماذا تأخذ رزق السلطان قال‏:‏ لأقاتل عنه‏.‏قال‏:‏ فما بالك الآن لا تبرز إلى العدو فقال‏:‏ ايها الأمير إن خرجت إليه لحقت بمن مضى وما الشرط أن أقتل عن السلطان بل أقاتل عنه فحلف روح ليخرجن إليه فتقتله أو تأسره أو تقتل دون ذلك فلما رأى أبو دلامة الجد منه قال‏:‏ ايها الأمير تعلم أن هذا أول يوم من أيام الآخرة ولا بد فيه من الزوادة فأمر له بذلك فأخذ رغيفاً على دجاجة ولحم وسطيحة من شراب وشيئاً من بقل وشهر سيفه وحمل وكان تحته فرس جواد فأقبل يجول ويلعب بالرمح وكان مليحاً في الميدان والفارس لا يلحظه ويطلب منه غرة حتى إذا وجدها حمل عليه والغبار كالليل فأغمد أبو دلامة سيفه وقال للرجل‏:‏ لا تعجل واسمع مني عافاك الله كلمات ألقيهن إليك فإنما أتيتك في مهم فوقف مقابله وقال‏:‏ ما هو المهم قال أتعرفني قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ انا أبو دلامة‏.‏

قال‏:‏ قد سمعت بك حياك الله فكيف برزت إلي وطمعت في بعد من قتلت من أصحابك ممن رأيت قال‏:‏ ما خرجت لأقتلك ولا أقاتلك ولكني رأيت لياقتك وشهامتك فاشتهيت أن تكون لي صديقاً وإني لأدلك على ما هو أحسن من قتالنا قال‏:‏ قل على بركة الله تعالى قال‏:‏ أراك قد تعبت وأنت سقيان ظمآن قال‏:‏ كذلك هو قال‏:‏ فما علينا من خراسان والعراق‏.‏

إن معي خبزاً ولحماً وشراباً وبقلاً كما يتمنى المتمني وهذا غدير ماء تميز بالقرب منا فهلم بنا إليه نصطبح وأترنم إليك بشيء من إحدى الأعراب فقال‏:‏ هذا غاية أملي قال‏:‏ فها أنا انتظر ذلك فاتبعني حتى تخرج من حلقة النضال ففعلا وروح يتطلب صاحبه‏.‏

فلا يجده والخراسانية تتطلب فارسها فلا تجده فلما طابت نفس الخراساني قال له أبو دلامة‏:‏ ان روحاً كما علمت من أبناء الكرام وحسبك يا بن المهلب جوداً وأنه يبذل لك خلعة فاخرة وفرساً جواداً ومركباً مفضضاً وسيفاً محداً ورمحاً طويلاً وجارية بربرية وأنه ينزلك في أكبر العطاء وهذا خاتمه معي لك بذلك فقال‏:‏ و يحك وما أصنع بأهلي وعيالي قال‏:‏ استخر الله تعالى وأسرع معي ودع أهلك فالكل يخلف عليك فقال سر بنا على بركة الله تعالى فسارا حتى قدما من وراء العسكر فهجما على روح فقال يا أبا دلامة اين كنت قال في حاجتك اما قتل الرجل فما أطيقه وأما سفك دمي فما طبت به نفساً وأما الرجوع خائباً فلم أقدم عليه وقد تلطفت وأتيتك بالرجل أسير كرمك وقد بذلت له عنك كيت وكيت فقال‏:‏ يمضي إذا وثق لي‏.‏

قال بماذا قال‏:‏ ينقل أهله فقال الرجل‏:‏ اهلي على بعد ولا يمكنني نقلهم الآن ولكن أمدد يديك أصافحك وأحلف لك متبرعاً بطلاق الزوجة أني لا أخونك فإن لم أف إذا حلفت بطلاقها لم ينفعك نقلها قال‏:‏ صدقت فحلف له وعاهده ووفى بما ضمنه أبو دلامة وزاد عليه وانقلب الخراساني معهم يقاتل الخراسانية وينكأ فيهم أشد نكاية وكان أكثر أسباب ظفر روح وكان المنصور قد أمر بهدم دور كثيرة منها دار أبي دلامة يا ابن عم النبي دعوة شيخ قد دنا هدم داره وبواره فهو كالماخض الذي اعتادها الطلق وما تقر قراره لكم الأرض كلها فأعيروا عبدكم ما أحتوى عليه جداره وفي شعبان منها توفي الإمام العالم أبو عبدالله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي الفقيه سيد أهل زمانه علماً وعملاً وورعاً وزهداً وعمره ست وستون سنة‏.‏روى عن عمرو بن مرة وسماك بن حرب وخلق كثير‏.‏

قال ابن المبارك‏:‏ كتبت عن ألف ومائة شيخ ما فيهم أفضل من سفيان‏.‏

وقال شعبة ويحيى بن معين وغيرهما‏:‏ سفيان أمير المؤمنين فى الحديث وقال أحمد بن حنبل لا يتقدم سفيان في قلبي أحد وقال يحيى بن سعيد القطان‏:‏ ما رأيت أحداً احفظ من الثوري وهو فوق مالك في كل شيء وقال سفيان ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني وقال ورقاء لم ير الثوري مثل نفسه وقال الشيخ أبو اسحاق في الطبقات‏:‏ قال عبدالله بن المبارك‏:‏ لا نعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان قال‏:‏ و قال علي بن المديني‏:‏ سألت يحيى بن سعيد فقلت أيما أحب إليك رأي مالك أو رأي سفيان فقال‏:‏ سفيان لا نشك في هذا ثم قال يحيى‏:‏ سفيان فوق مالك في كل شيء‏.‏

قال وقال أحمد بن حنبل‏:‏ دخل الأوزاعي وسفيان على مالك فلما خرجا قال مالك‏:‏ احدهما أكبر علماً من صاحبه ولا يصلح للإمامة والآخر يصلح للإمامة فسأل من الذي عنى مالك أنه علم الرجلين اهو سفيان قال‏:‏ نعم‏.‏

سفيان أوسعهما علماً‏.‏

وعن أبي صالح شعيب بن حرب المدائني وكان أحد السادة الأئمة الكبار في الحفظ والدين أنه قال‏:‏ اني لأحسب يجاء سفيان الثوري يوم القيامة حجة من الله على الخلق يقال لهم إن لم تدركوا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فقد أدركتم سفيان الثوري ألا اقتديتم به‏.‏

وكان سفيان كثير الحظ على المنصور فهم به وأراد قتله فما أقدره الله تعالى على ذلك قلت وقصتهم معه مشهورة أعني في أمر المنصور يلزم سفيان في مكة لما قرب المنصور من دخولها واقسام سفيان رضي الله تعالى عنه في الملتزم برب الكعبة أنه لا يدخلها فلم يدخلها بل مات خارجاً عنها وقد اجتمع الناس على جلالة سفيان وإمامته وصلاحه وزهادته وورعه وعبادته‏.‏

ويقال كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأس الناس في زمانه وكان بعده ابن عباس في زمانه وكان بعده الشعبي في زمانه وكان بعده الثوري في زمانه سمع الحديث من أبي إسحاق السبيعي والأعمش ومن في طبقتهما من الجلة وسمع منه الجلة كمالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك والأوزاعي وابن جريج ومحمد بن اسحاق ومن في طبقتهم‏.‏

وذكر المسعودي في مروج الذهب ما مثاله قال القعقاع بن الحكم‏:‏ كنت عند المهدي فأتى سفيان الثوري فلما دخل عليه سلم تسليم العامة ولم يسلم عليه بالخلافة والربيع قائم على رأسه متكىء على سيفه يرقب أمره فاقبل عليه المهدي بوجه طلق وقال‏:‏ يا سفيان تفر منا هاهنا وهاهنا وتظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك فقد قدرنا عليك الآن فما عسى أن نحكم فيك بهواناً فقال سفيان‏:‏ ان تحكم في يحكم فيك ملك قادرعادل يفرق في حكمه بين الحق والباطل‏.‏

فقال له الربيع‏:‏ يا أمير المؤمنين ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا ائذن لي أضرب عنقه فقال له المهدي‏:‏ اسكت ويحك وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن تقتلهم فتشقى بسعادتهم أو قال لسعادتهم اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه في حكم فكتب عهده ودفعه إليه فأخذوه وخرج فرمى به في دجلة وهرب فطلب في كل بلد فلم يوجد ولما امتنع من قضاء الكوفة وتولاه شريك بن عبدالله النخعي قال الشاعر‏:‏ تحرز سفيان وفز بدينه وأمسى شريك مرصداً للدراهم وحكي عن أبي صالح شعيب بن حرب المدائني وكان أحد الأئمة الكبار السادة المشهورين بالحفظ والدين أنه قال‏:‏ اني لأحسب يجاء بسفيان الثوري يوم القيامة حجة من الله تعالى على الخلق‏.‏توفي رحمه الله تعالى بالبصرة سنة إحدى‏.‏

وقيل اثنتين وستين ومائة متوارياً من السلطان ومولده في سنة خمس‏.‏

وقيل ست‏.‏

وقيل سبع وتسعين من الهجرة وله رضي الله تعالى عنه من المناقب والمحاسن الجميلات ما لا يسعه إلا مجلدات قلت وهو القائل رضي الله نظرت إلى ربي عياناً فقال لي هنياً رضاي عنك يا بن سعيد لقد كنت قواماً إذا ظلم الدجى بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أي قصر تريده وزرني فإني عنك غير بعيد وفي أول السنة المذكورة توفي أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي الحافظ‏.‏

قيل وفي السنة المذكورة توفي أبو بشر عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه إمام النحو الحارثي مولاهم اخذ النحوعن عيسى بن عمر ويونس بن حبيب وخليل بن أحمد واللغة عن أبي الخطاب الأخفش وغيره وقال المبرد‏:‏ لم يقرأ أحد كتاب سيبويه عليه وإنما قرىء بعده على ابن الحسين سعيد بن مسعدة الأخفش وكان ممن قرأه على الأخفش صالح بن إسحاق الجرمي‏.‏

وقال أبو زيد النحوي‏:‏ كلما حكى سيبويه في كتابه بقوله أخبرني الثقة فأنا أخبرته يفتخر بذلك وقال الأخفش‏:‏ جاءنا الكسائي إلى البصرة وسألني أن أقرئه كتاب سيبويه ففعلت فوجه إلي خمسين ألف ديناراً قيل وكان الأخفش أسن من سيبويه وقال ابن سلام‏:‏ سألت سيبويه عن قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس ‏"‏ - يونس‏:‏ 98 - على أي شيء نصبت إلا قال‏:‏ الا إذا كانت بمعنى لكن نصبت‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ مات سيبويه بشيراز وقبره بها‏.‏

وقال ابن قانع‏:‏ مات بالبصرة سنة احدى وستين ومائة وقال المرزباني وهم فيهما جميعاً يعني المكان والزمان قال‏:‏ وعمره ثمان وثلاثون سنة وقيل له في علته التي مات فيها ما تشتهي قال‏:‏ اشتهي أن أشتهي‏.‏

قلت‏:‏ كأنه يشير إلى أن المرض حال بينه وبين الشهوات ولكن قيل لبعض الصالحين في وقت الصحة ما تشتهي‏:‏ فقال‏:‏ اشتهي أن أشتهي لأترك ما أشتهي فلا أشتهي وهذا يشير إلى أن صحة قلبه واشتغاله بالله ومحبته له حال بينه وبين اشتهاء الشهوات فهو يشتهي شيئاً منها ليخالف نفسه ويتركها الله عز وجل فلا يشتهي شيئاً‏.‏